أمجد شوقي طالب/ة متفوق/ة
العمر : 29 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/03/2009
| موضوع: مصيبة موت العلماء الثلاثاء أكتوبر 27, 2009 3:51 am | |
| الحمد لله على جزيل نعماه، أحمده سبحانه وأساله التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد، عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله،فمن اتقى الله وقاه،ومن توكل عليه كفاه، أيها المسلمون! ولذا كان ذهاب العلماء مصيبة على الناس وعلى الأمة كلها، خاصة في زمن الفتن والشهوات، وكثرة البدع والخرافات، فهم حراس العقيدة والدين، وهم مصابيح الدجى، وعلامات الهدى، وهم شمس الدنيا ونورها؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"متفق عليه.وعن أبي أمامة رضي الله عنه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ)) قَالُوا: وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟! قَالَ: فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ:"ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ أَوَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ شَيْئًا؟ إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ، إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ".ولقد كان شيخنا العلامة ابن جبرين رحمه الله من أفذاذ حملة العلم في زماننا، ومن نوادر العلماء العاملين في زماننا، لقد كان الشيخ كما عرفته عن كثب مدرسة قائمة لوحده، فقضى ما يقارب من ثمانية عقود في العلم والتعليم والتربية، والدعوة والفقه والإرشاد، لقد كان بحق نمطًا صعبًا من الرجال، نذر نفسه لله والدعوة، وإحياء السنة وإماتة البدعة، ونشر العلم،
ما زلتُ أذْكُرُ صَوْتَهُ يسري إلى أعماقنا بمودّةٍ وحنانِ
يُفتي وينصح مرشداً وموجّهاً ومعلّماً للناسِ دونَ تَوانِ
ياربّ قد أصغتْ إليكَ قلوبُنا وتعلّقتْ بك يا عظيمَ الشّانِ
"الشيخ مات" عليه أنْدى رحمةٍ وأجلّ مغفرةٍ من الرحمـنِ
لقد تميز الشيخ رحمه الله عن جميع أقرانه من العلماء المعاصرين، بميزة عجيبة نحن معاشر الطلاب والشباب بأمس الحاجة إليها اليوم، فقد تميز: بعزيمة وهمة علية، وبجلد عجيب لا يكاد يُصدق، فلا أبالغ أبداً إذا قلت أنه لا يعرف الكلل والملل، ولا يعرف التعب في العمل، لقد كان يُزينه صبر فولاذي لا يُرى له مثيلاً، وشاهد هذا: كثرة دروسه اليومية، وكثرة رحلاته العلمية والدعوية، فقد كان يجوب الأرض بطولها رغم أن الشيخ في الثمانين، لكنه يفوق بصبره وجلده من هو في الثلاثين، وله في ذلك حكايات وقصص يرويها من صحبه في رحلاته الدعوية والعلمية، وهي غير خافية على من عرف الشيخ، وجلس بين يديه.، وقد أثمرت هذه الرحلات أجيالاً وربت رجالاً، فما من مدينة وقرية وهجرة إلا وله فيها تلامذة وطلاب، منهم الكثير ممن يحمل الدكتوراه لكنهم يعتزون بما تلقوه من الشيخ أكثر من اعتزازهم بالشهادات العليا،حتى صار بعض تلامذة الشيخ وطلابه علماء نجباء كبار في حياته:
فقيدُ العلم في الناس الفقيدُ وحاضرُه المغيـّب والشهيدُ
يموت المرء بينـهم فينُـْسَى ويعقبه التنـكر والجحود
ويُقبض عالم فترى تراثــًا تقلبه القرون وتستعيد
تراث نبوة وتراث علــم وصاحبه هو الرجل الرشيد
هو الجبل الأشم يكون فيهم فَتَتَّزِنُ الحياة فلا تميـد
هو القبس الأتم يضيء فيهم فتنـتظم المسيرة لا تحيد
وهذا هو الأمر الثاني الذي تميز به الشيخ رحمه الله: فقد كان قبساً يضيء بسعة فقهه، والتيسير في الفتوى، وهذا من تمكنه في العلم ورسوخه فيه، وليس المراد بالتيسير هنا تتبع رخص العلماء وزلاتهم، فإن ذلك تلاعب بدين الله، وإنما أعني بالتيسير هنا التيسير الذي هو سمة من سمات الشريعة، وأصل من أصولها الأساسية، كقول الفقهاء:1-المشقة تجلب التيسير.2-إذا ضاق الأمر اتسع.3-الحاجة تنزل منزلة الضرورة، وغير ذلك من القواعد التي تُعبر عن سماحة الشريعة ويسرها،ولها أدلة كثيرة في نصوص الشرع،كقوله تعالى:{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185].وقوله:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحـج:78].وعن عائشة رضي الله عنها قالت:«مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ - وَفِي رِوَايَةٍ:اخْتَارَ- أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ»إنه التيسير الذي دعت إليه الشريعة، ودلت عليه النصوص، رفعًا للحرج عن المكلف ما دام لا يصادم نصاً شرعياً، مراعاة للظرف والحال، والزمان والمكان والوضع الاجتماعي، والسياسي الذي حصلت فيه الواقعة ما دام أن هناك مخرجاً شرعياً يسنده دليل شرعي، ومن تتبع الهدي النبوي وجد ذلك جلياً في هديه.وعليه مشى الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، قال عمر بن إسحاق:"لمَنْ أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لمن سبقني منهم، فما رأيت قوماً أيسر سيرة، ولا أقل تشديداً منهم".وقال سفيان بن عيينة، عن معمر:"إنما العلم أن تسمع بالرخصة من الثقة، فأما التشديد فيحسنه كل واحد".وقال الشعبي:"إذا اختلف عليك الأمران، فإن أيسرهما أقرب إلى الحق"هكذا كان الشيخ رحمه الله في تيسيره فقيه عالم بأحوال الزمان مدرك لظروفه ومستجداته، وهو الراسخ في شتى العلوم، في الفقه، والأصول، والفرائض، والحديث والتفسير، فقد كان رحمه الله موسوعيًّا، وجبلاً في العلم، عجيب استحضاره للأدلة، وعجيب استنباطه للتعليل، فعلا كان عالماً ربانيًّا بشهادة الأمة وأهل العلم والفضل.ومن أهم ما تميز به رحمه:التواضع العجيب،ولين الجانب، والبساطة وعدم التكلف، وملازمة خشية الله، وكل هذا دليل على أن علم الشيخ كان علماً مثمرًا، فهذه الصفات ثمرات للعلم النافع.ومما يتميز به الشيخ أيضا وبرز فيه: الجرأة في كلمة الحق، وعدم الخوف في الله لومة لائم، فقد كان صريحًا كل الصراحة، لا يماري ولا يداهن، فالحق شعاره ودثاره، وهذه صفة العالم الرباني الذي لا يمكن أن يجعل العلم سلًّمًا لأغراض الدُّنيا، ونيل حطامها، من جاه وغنًى وشهرة وظهور وغيرها مما يُكدر صفو النية، وما أكثر ما يتميز به الشيخ رحمه الله،فقد كان مدرسة بحق بسمته وعلمه وحياته، ذكرت تلك المميزات وغيرها كثير للاعتبار والاستفادة، فحياة العلماء وسيرهم من أفضل منابع التربية ومدراس الأخلاق لطلاب العلم، وللشباب، بل ولكل الناس، فإذا كانت حياة هؤلاء الكبار نفعًا للأمة ونورًا لها، فإن في موتهم أيضاً حياةً للكثير، فقد حرك موت الشيخ في النفوس الهمة وشحذ العزيمة، وحرك الساحة العلمية والدعوية إلى بذل المزيد، ومحاولة سد الفراغ الكبير الذي تركه الشيخ في ميدان الدعوة، نسأل الله أن يرحم الشيخ رحمة واسعة، وأن يحشره في زمرة العلماء الربانيين، وهل مات من كان هذا سمته وآثاره وعلمه!
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات
فالحمد لله الحي الذي لا يموت، توحَّدَ بالديمومة والبقاء، وتفرَّدَ بالعزة والكبرياء، وأحسن الله عزاء الجميع، فالمصاب مصاب أمة، فـإِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى"،وإنا لله وإنا إليه راجعون، إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا شيخنا لمحزونون، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنَا، فرحمك الله يا شيخنا فكل القلوب نارها تتأجج، وكل الألسن لك تلهج، فاللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلفنا خيرًا منها، وحسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم ارحم الشيخ برحمتك، وأسكنه فسيح جنتك، واكتبه عندك في المحسنين، واجعل كتابه في عليين، واخلفه في أهله في الغابرين، اللهم اشكر حسناته، واغفر سيئاته، وأعذه من عذاب القبر، واجمع له برحمتك الأمن من عذابك،واكفه كل هول دون الجنة، اللهم وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين ،اللهم لا تحرمنا أجره،ولا تفتنا بعده. اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان،إخوة الإيمان: لقد وقف نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم على شفير قبر فبكى حتى بلّ الثرى ثم قَالَ: (( يَا إِخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا)). وسأله رجلٌ فقال: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: ((أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ )). فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، نسأل الله أن يحسن لنا الخاتمة أجمعين، وأن يخلف الأمة خيرًا، وأن يصلح أبناءها،وأن يجمع كلمة علمائها ودعاتها، وأن يؤلف بين قلوبهم. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد:فاتقوا الله عباد الله، وطهروا قلوبكم فإن الله يطلع على القلوب والضمائر، وأكثروا من الأعمال الصالحة فاليوم عمَل، وغداً أمل، فاعمل ولا تمل، واستبقوا الخيرات، وأحسنوا، ولنملأ قلوبنا بحب الله، ولنتزود من تقوى الله خير زاد على الدوام، جعلني الله وإياكم من المتقين الأبرار، اللابسين لباس التقوى في الليل والنهار، إنه سميع مجيب عزيز غفار، اللهم أصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، اللهم واقض الدين عن المدينين، وفرج هم المهمومين، وصلي وسلم على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.والحمد لله رب العالمين . | |
|