تطور الرياضيات عند العرب
تشمل مفهوم الرياضيات قديما ، تلك العلوم التي تعني بالحساب والجبر والهندسة والمثلثات ..وسنحاول سلوك نفس المنهج الذي اتبعناه في مناقشة موضوع الترجمة عند العرب ، تتبع تطور هذا العلم و أهم العلماء الذين برزوا به ، توكيدا على الدور العربي في المسار الحضاري ، و تأشيرا عليه ، من باب التذكير ، خصوصا في تلك المرحلة التي يحس بها مواطننا بانعدام وزنه ..
أولا : الحساب :
يسمى أحيانا بعلم الأعداد ، و به جانبان : الأول نظري ( خواص الأعداد) والثاني عملي ( معرفة المطلوب بالأعمال الأربعة : الجمع والطرح والضرب والقسمة ) . و أول الحساب العد ، وتبرز الحاجة إليه في عمليات جمع المحاصيل و البيع والشراء و تقسيم الميراث الخ ..
ابتدأ الإنسان بالأعداد القليلة الصغيرة ، خمسة ثم سبعة ثم بالاثني عشر ، فالستين .. لقلة الأشياء التي كان يملكها في البداية ، أو يحصل عليها في المرة الواحدة ، سواء بمجتمعات الصيد القديمة أو ما تلاها .. وعندما كثرت الأشياء تطورت معها الأعداد و صيغ التعبير عنها كما سنتتبعها ..
الأرقام عند الأمم القديمة :
استخدم البابليون في العراق القديم ، العلامة المسمارية أو الإسفينية ( الإسفين هو وتد عريض من أعلاه ، دقيق من أسفله ) .. فكانوا يرمزوا للواحد بإسفين والإثنين بإسفينين ، والثلاثة الى العشرة التي رمز لها بالرمز < و يوضع بجنب تلك العلامة أسافين بعدد الرقم الدال على العدد ، فمثلا العدد 15 ، كان يرمز له ب lll< و العدد 20 << والمائة خطان أحدهما أفقي و الثاني عمودي –l والألف علامة العشرة الى يسار علامة المائة ( - <l ) وهكذا ..
وكان النظام الستيني هو السائد في بلاد الرافدين ، ويتميز بالمرونة لكثرة ما يقسم عليه هذا النظام ، وقد استنبطوه من أن الدائرة يساوي محيطها ستة أمثال نصف قطرها ، استنباطا طبيعيا من عيون خلايا النحل .. وقد تأسس على هذا النظام ، وما يزال تقسيم الدائرة ، والساعة والدقيقة ، وخطوط الطول والعرض .
أما المصريون القدماء فجعلوا الأرقام من واحد الى تسعة l بهذا الشكل والعشرة حذوة فرس مقلوبة n والألف على شكل زهرة اللوتس &) ) والمليون رجل راكع ..
أما الساميون وبخاصة الفينيقيون فقد دونوا الأرقام بالترتيب الأبجدي للحروف الهجائية كما نقرأها بترتيبها الأبجدي الحالي ، أبجد هوز حطي كلمن الخ .. فكانت أ=1 و ب =2 وج =3 و د =4 وهـ =5 ، و= 6 ، ز= 7 ، ح= 8 ، ط= 9 ، ي = 10 .. ثم ك = 20 ، ل = 30 ، م = 40 ، ن = 50 ، س= 60 ، ع = 70 ، ف = 80 ، ص =90 ، ق = 100 .. ثم تأتي ر = 200 ، ش = 300 ، ت = 400 ، ث = 500 ، خ = 600 ، ذ = 700 ، ض=800، ظ= 900 ، غ = 1000 ..
ويلاحظ القارئ أن ذلك الترقيم هو الذي يستخدم في عمل الروحانيين و المنجمين ، وغيرهم ممن يستخدموا الطرق السحرية وغيرها ..
لو أخذنا طريقة اليونانيين ، لرأينا أنها استعارت الطريقة الفينيقية بشكل كامل مع إضافة بعض الرموز القليلة ..
في حين كان الرومان ، يستخدمون طرقا معقدة ، على الشكل التالي :
1 = l ، 5 = V ، 10 = X ، 50 = L ، 100= C ، 500= D ، و 1000= M ، والمشكلة أن نطق الأرقام يختلف عن كتابتها ، فمثلا لو أردنا كتابة رقم ( 487) لدوناه على شكل :CCCCLXXXV11 .
أما الهنود فهم أول من استخدم الصفر ، على يد عالم اسمه (بنغالا) وقد كان ذلك حوالي 200 ق . م .. وقد طوره فلكي هندي اسمه (براهما جوبتا) عام 628م وسماه (السند هانتا).. ونقله ـ لحسن الحظ ـ الى العربية ، عالم فلكي هندي اسمه (كانكا) ، قدم الى بلاط الخليفة العباسي ( المنصور ) .. فأمر بترجمته وسمي ( السند هند ) .. ولا يزال الناس في الأرياف العربية يطلقوا على الحساب ( هندي ) ..
والغريب أن العرب طوروه ، فأخذ الهنود عنهم وسموه هم والأوروبيون ب (الحساب العربي ) .. في حين لا يزال العرب يستخدموا الصيغة الهندية بكتابة الأرقام ..
الأرقام عند العرب :
استخدم العرب قبل الإسلام طريقتين في كتابة الأرقام ، الأولى : الحروف كما أخذوها عن أهل العراق و الفينيقيين ، والثانية : كتابة الرقم ( أربعون دينارا ) خمسمائة وواحد وعشرون وهكذا ، حتى إذا أرادوا أن يقولوا مليونا : فإنهم يكتبون ألف ألف درهم ..
أما الصفر فهو دلالة للاشيء ، وهم من أدخله فيما بعد على الأرقام فأحدث نقلة نوعية في أداء الأرقام .. وقال حاتم في قصيدة ذكر بها الصفر :
ترى إن هلكت لم يك ضرني .... وإن يدي مما بخلت به صفر * 1
وقد مارس العرب التجارة ، ولذا كان لا بد لهم أن يعرفوا من الحساب ووحدات النقد والمكيال و السنين والعقود الكثير .. وقد خاطبهم الله عز وجل بلغة فهموها وهي لم تنقط بعد .. فلنتأمل آيات مثل :
{وواعدنا موسى ثلاثين ليلة و أتممناها بعشر } و { والفجر وليال عشر } و {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } و { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } وكثير من الآيات التي تذكر الدرهم والدينار والذراع و القسمة والأعشار و المضاعفات ، الحسنة بعشر أمثالها .. الخ
ولم يستفد العرب من كتاب (السند هند ) الكبير والذي ترجمه للمنصور (أبو اسحق ابراهيم بن حبيب ) سوى الأرقام .. ولم يستخدموا الأرقام بشكلها الرياضي ـ مع ذلك ـ إلا في القرن الرابع الهجري .. فبقوا يستخدموا كتابة الأرقام بالحروف .. ولا زالت تلك الطريقة منتشرة حتى اليوم في كثير من النصوص ..
وقد سميت الأرقام الهندية بالأرقام ( الغبارية ) لأن الهنود في معاملاتهم كانوا يرشون ألواح الخشب بالغبار ، ثم ينقشون عليه الأرقام في المعاملات ويعاودون الرش في كل عملية .. ويرى بعض المفسرين أن الأرقام الهندية تم اختيار أشكالها ، حسب عدد الزوايا في الرقم ..
وعندما أضيف الصفر ، حدث تطور بل وثورة في إجراء العمليات الحسابية .
فروع علم الحساب عند العرب :
أهم فروع علم الحساب عند العرب هي :
أولا : الحساب العلمي :
ويحتاج هذا العلم في تنفيذه الى أدوات كالأوراق و الأقلام ، وأيضا كان يسمى الحساب الغباري وقد مررنا على أصل التسمية .. وكان من أبرز من كتب في هذا العلم ، (ابن الهائم توفي عام 815هـ) ألف كتابا باسم (نزهة النظار من علم الغبار) .. والعالم الأندلسي (القلصاوي توفي عام 891هـ) ألف كتابا باسم (رفع الستار عن علم الغبار ) .
ثانيا: الحساب الهوائي :
لا يحتاج هذا العلم لأدوات بل الى تأمل سريع ، فمثلا لو عرفنا نتيجة ضرب 10 في 10 أنها 100 ، فان نتيجة ضرب 11 في 11 هي 121 ، لأن 11+10 = 21 تضاف الى المئة التي نعرفها فتصبح 121 ، ولو كنا لا نعرف نتيجة 9 في 9 ، واستخدمنا التأمل السريع ، 9+10=19 وطرحناها من 100 لكانت النتيجة 81 . ولو عرفنا ان 40×40= 1600 فان 41×41 سيكون 41+40 =81 تضاف الى ال 1600 فتصبح 1681 وهكذا .. كان هذا العلم يستخدمه التجار في أسفارهم . وقد وضع (ابن الهائم ) كتابا بعنوان ( المعونة في صناعة الحساب الهوائي ) .
ثالثا : حساب الفرائض :
هذا العلم يتعلق بحساب الإرث والتركات و الزكاة وهو معقد ، وقد أبدع به علماء الشريعة الإسلامية إبداعا ، نقلته عنهم بعض الشعوب الوثنية ، وطبقته لاتسامه بالعدل .. كما حدث في جنوب السودان و بعض الدول الإفريقية ، والتي كان من يحتكر تلك المعرفة من بين شعوب تلك المناطق ، سرعان ما يعلن إسلامه إعجابا بما قام به من عمل در عليه أموالا كخبير في تقسيم الميراث .
رابعا : علم حساب العقود :
أي ( عقود الأصابع ) ، حيث كان له أصول تتعلق بترتيب عقد الأصابع ، في خانات الآحاد والعشرات والمئات والألوف ، وكانت تلك المهارات تجعلهم يعبروا عن أرقام بعشرات الألوف بحركة يد واحدة .. وهذا النمط من العلم كان يطبق عندما كانت لغات التجار تختلف ، فكانوا يتفاهمون بإشارات العقد .. قبل تطور أساليب الكتابة .*1
كان علماء العرب غير مقلدين ، وإن كانوا يطلعوا على تجارب الشعوب ، لكنهم سرعان ما يضيفوا بصماتهم الخاصة عليها .. فمثلا استخدم الخوارزمي (توفي 232هـ) في مؤلفه (الرسالة الحسابية) الأرقام الهندية ، إلا أنه غير عليها ، حيث استعملها من الشمال الى اليمين بعكس الهنود . وقد سار معظم علماء الرياضيات على نهجه .
ومن أشهر علماء العرب في الحساب نذكر :
1 ـ ثابت بن قرة ( توفي عام 288هـ)
أوجد نظرية الأعداد المتحابة ، لنضرب مثلا واحدا : العددان (220 و284) متحابان لأن 220 لو فككناه للأرقام التي يقبل القسمة عليها وهي (1، 2، 4، 5 ، 10 ، 11 ، 20 ، 22 ، 44 ، 55 ، 110) لأصبح مجموع تلك الأرقام 284 في حين أن (284) لو فككناه بنفس الطريقة للأرقام التي يقسم عليها وهي (1، 2، 4 ، 71 ، 142) لكان مجموعها 220 * 2
2 ـ سنان بن الفتح الحراني :
من علماء القرن الثالث الهجري ، أسس لعلم (اللوغاريتمات ) من خلال ربط علاقات عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة .. وذكرها في عدة كتب : (التخت في الحساب الهندي ) و كتاب ( الجمع والتفريق) وكتاب (حساب الوصايا) *
3 ـ أبو الوفاء البوزجاني ( توفي عام 388هـ) :
ترجم بعض كتب الرياضيات ، وأضاف على بحوث الخوارزمي ، كما ألف كتابا هاما لأرباب العمل اسمه ( ما يحتاج اليه العمال و الكتاب من صناعة الحساب)*
4 ـ أبو القاسم مسلمة بن احمد المجريطي توفي عام 398هـ :
من أبرز علماء الأندلس ، أشهر مؤلفاته ( في تمام العدد) والذي يعرف بأيامنا بالمعاملات *
5 ـ أبو علي الحسن بن الحسن ابن الهيثم توفي عام 430هـ :
عالم في العلوم الطبيعية و الهندسة والرياضيات ، من أشهر ما كتب في الحساب : ( في حساب المعاملات) و ( علل في الحساب الهندي) و (حل شكوك إقليدس ) و ( الجامع في أصول الحساب)*
6ـ ابن البناء المراكشي توفي عام 721 هـ :
من أهل مراكش كان أبوه يعمل في البناء ، أشهر كتبه ( تلخيص أعمال الحساب ) وفيه فنون جديدة لاستخدام الكسور ، وكتاب ( الحصار الصغير)*
7 ـ غياث الدين جمشيد الكاشي توفي عام 840هـ :
رغم أن هذا العالم قد صنف مع علماء الفلك في (سمرقند) ، إلا أنه له مؤلف مشهور اسمه ( مفتاح الحساب ) الذي تعامل فيه مع الكسور العشرية بمنتهى الدقة ، مما فتح أبوابا في تطوير الرياضيات و ما تعلق بها من علوم .